الأحد، 12 أكتوبر 2025

المال العام والضمير الوطني: نحو عقد اقتصادي جديد في موريتانيا

 المال العام والضمير الوطني: نحو عقد اقتصادي جديد في موريتانيا

الملخص:

يشكل المال العام الركيزة الأساسية لبناء الدولة الحديثة، وشرطًا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وتعكس إدارة الموارد المالية، ونسبة العدالة في توزيعها، ونجاعة مكافحة الفساد، مدى ارتباط المواطن بدولته وولائه لها.

تتناول هذه الورقة العلاقة بين استغلال المال العام، العدالة الاقتصادية، ومكافحة الفساد في موريتانيا، مع التركيز على دور المواطن في مراقبة إنفاق الدولة، وإعادة صياغة مفهوم الولاء الوطني. ويخلص البحث إلى أن إقامة نظام وطني رشيد يعتمد على الشفافية والمساءلة والعدالة التوزيعية هي الطريق الأمثل لبناء الدولة الوطنية الحقيقية، ولتحقيق التنمية الشاملة والرفاه للمواطن.

المقدمة:

يمثل المال العام في أي دولة حديثة ليس مجرد موارد مالية، بل هو أداة استراتيجية لتأسيس الدولة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وفي موريتانيا، تتجلى التحديات في التفاوت الكبير بين الأقلية التي تتحكم في خيرات البلاد والغالبية التي تعاني من ضعف الخدمات والفرص الاقتصادية، مما يضعف الولاء الوطني ويعزز الفساد.

إن فهم المواطن لدوره وواجباته تجاه المال العام، وإدراكه لمسؤولية الدولة في توجيه الموارد بشكل عادل، يشكل عنصرًا جوهريًا لإعادة بناء العقد الاجتماعي وتنمية الدولة على أسس الاستدامة والعدالة.

المحور الأول: المال العام بين الملكية الجماعية والمساءلة المجتمعية

يعتبر المال العام ملكًا لكل المواطنين، ويشكل الحق الجماعي في التنمية. تشير الدراسات إلى أن الضرائب التي يدفعها المواطنون، بما في ذلك التاجر والفلاح والعامل وبائعات الكسكس، تشكل نحو 62% من ميزانية الدولة.

لو كان المواطن مدركًا لهذا الحق، لكان أول المدافعين عن سلامة المال العام، وشارعًا للرقابة عليه، كما أن الدولة التي توظف هذه الموارد في رفاه المواطن تبني الولاء وتحقق الاستقرار الاجتماعي.

المحور الثاني: العدالة الاقتصادية وتوزيع الثروات

يشير الواقع إلى أن أقل من 4% من سكان موريتانيا يتحكمون في جزء كبير من الموارد الوطنية، بينما تظل الغالبية الساحقة محرومة من فرص التنمية.

تؤكد النظرية الاقتصادية التنموية أن عدم المساواة في توزيع الموارد يقوض النمو المستدام، ويزيد من احتمالية الفساد، ويضعف الانتماء الوطني. لذا، يجب توجيه الموارد لتحقيق تكافؤ الفرص، وضمان العدالة في التعليم والصحة والعمل والبنية التحتية.

المحور الثالث: الفساد كعائق أمام التنمية

الفساد الإداري والمالي يعطل مشاريع الدولة ويحول الموارد عن أهدافها التنموية. وتشير الدراسات العالمية إلى أن مكافحة الفساد وتحسين الشفافية يعززان النمو الاقتصادي ويزيدان من كفاءة استخدام الموارد العامة.

إن محاسبة المفسدين وتطبيق العقوبات الرادعة يعد ركيزة أساسية لتمكين الدولة من تحقيق التنمية، وإعادة الثقة بين المواطنين وحكومتهم.

المحور الرابع: الحوكمة الرشيدة كمدخل لإصلاح الدولة

تتطلب التنمية المستدامة وجود حوكمة رشيدة تتضمن:

1. الشفافية في الإنفاق العام.

2. المساءلة القانونية والمؤسساتية.

3. العدالة في توزيع الموارد الاقتصادية.

4. مشاركة المواطنين في صنع القرار الاقتصادي.

تطبيق هذه المبادئ يعزز العلاقة بين المواطن والدولة ويحول الولاء الوطني إلى التزام عملي وفاعل.

المحور الخامس: العقد الاقتصادي والاجتماعي الجديد

يهدف النظام الوطني الرشيد إلى إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة عبر:

القضاء على الفساد المالي والإداري.

توجيه المال العام لخدمة المواطن وتحسين مستوى حياته.

تعزيز العدالة الاجتماعية وتمكين الجميع من فرص متساوية.

بهذا يصبح المواطن شريكًا في التنمية، وينتقل الوطن من مرحلة الريع إلى مرحلة الإنتاج والعدالة، ويستعيد العقد الاجتماعي كأساس لبناء الدولة.

النتائج والتوصيات

1. يجب توجيه المال العام لتعزيز رفاه المواطنين ورفع مستوى حياتهم.

2. العمل على محاسبة جميع المفسدين دون استثناء وتطبيق عقوبات رادعة.

3. تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق المواطنين تجاه المال العام.

4. توسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية والاجتماعية لضمان العدالة التوزيعية.

5. اعتماد الشفافية والمساءلة كآليات أساسية في إدارة الموارد الوطنية.

الخاتمة

إن حماية المال العام واستخدامه في خدمة المواطنين هو أساس بناء الدولة الوطنية. وعندما يشعر المواطن بالمسؤولية تجاه المال العام، ويشهد الإنصاف والعدالة في توزيع الموارد، تتحقق التنمية المستدامة، ويُرسخ الولاء الوطني، ويصبح العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع راسخًا.

إن إصلاح منظومة المال العام، ومكافحة الفساد، وتوسيع فرص العدالة الاقتصادية، يمثلان الطريق الأمثل لموريتانيا نحو دولة وطنية قوية وعادلة، قادرة على تحقيق رفاهية مواطنيها واستدامة مواردها.

المراجع (موجزة)

1. البنك الدولي. (2022). تقرير الحوكمة والشفافية في موريتانيا.

2. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. (2021). مؤشرات التنمية البشرية والعدالة الاقتصادية في إفريقيا.

3. عماد، محمد. (2020). العدالة الاقتصادية والتنمية المستدامة: منظور تنموي. الدار العربية للنشر.

4. وزارة المالية الموريتانية. (2023). ميزانية الدولة وتقارير الإنفاق العام.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق