الأربعاء، 8 أكتوبر 2025

نحو هندسة تصاعدية للدولة: قراءة في مشروع النظام الشعبي اللامركزي

 نحو هندسة تصاعدية للدولة: قراءة في مشروع النظام الشعبي اللامركزي

 

 المقدمة: من المركزية إلى السيادة الشعبية


في ظل الأزمات البنيوية التي تعاني منها الدول المركزية، يبرز مشروع النظام الشعبي اللامركزي بوصفه محاولة جذرية لإعادة تشكيل الدولة من القاعدة إلى القمة، عبر هندسة تصاعدية تضع المواطن في قلب القرار، وتعيد توزيع السلطة والثروة على أساس تشاركي، شفاف، وتنموي.


هذا المشروع لا يكتفي بتفكيك المركزية، بل يقترح بديلاً مؤسسيًا متكاملًا، ينطلق من القرية كوحدة تأسيسية، ويتصاعد تدريجيًا حتى يصل إلى المجلس الوطني العام، مرورًا بالبلديات، المقاطعات، والولايات الجهوية.


 البنية التصاعدية: الدولة من أسفل إلى أعلى


يقوم المشروع على سلسلة من المجالس المنتخبة، تبدأ من القرية وتنتهي بالدولة، وفق التراتبية التالية:


- مجلس القرية: منتخب محليًا، مسؤول عن الشؤون السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والخدمية.

- مجلس البلدية: يتشكل من رؤساء مجالس القرى التابعة لها، ويضع أهدافه بناءً على خطط القرى.

- مجلس المقاطعة: يتشكل من رؤساء البلديات، ويقوم بالتنسيق الإقليمي.

- مجلس الولاية الجهوية: يتشكل من رؤساء المقاطعات، ويضع الاستراتيجيات الجهوية.

- المجلس التسيري العام للدولة: يتشكل من رؤساء الولايات، ويحدد السياسات الوطنية.


 هذه البنية تضمن أن كل قرار وطني هو انعكاس مباشر لاحتياجات القاعدة الشعبية، وتمنع الانفصال بين المركز والمحيط.


التخطيط والموازنة: من المواطن إلى الدولة


يؤسس المشروع لمنهجية تخطيط وموازنة تصاعدية:


- تبدأ الأهداف والخطط من القرية، وتُدمج تدريجيًا في خطط البلديات، المقاطعات، والولايات.

- تُبنى استراتيجيات الدولة على أساس استراتيجيات الولايات الجهوية.

- تُعد الموازنة العامة انطلاقًا من احتياجات القرى، وتُوزع نزولًا حسب الخطط المعتمدة.

- تُنفذ الموازنات من قبل المجالس التسيرية، وتخضع لرقابة فصلية صارمة.


هذه المنهجية تحقق العدالة التوزيعية، وتمنع التهميش، وتضمن أن تكون الموارد موجهة حسب الأولويات المحلية.


الرقابة، الأمن، والحياد المؤسسي


يركز المشروع على فصل السلطات وضمان النزاهة:


- أجهزة رقابة مستقلة في كل مستوى، تتابع الأداء وتعد تقارير فصلية.

- تحقيق فوري في كل شبهات التسيير، مما يعزز الشفافية والمساءلة.

- منع انخراط أفراد الأمن في السياسة، حتى بعد التقاعد، لضمان حيادية المؤسسات الأمنية.

- انتخاب مسؤولي القضاء والتشريع والرقابة بشكل مستقل، وفق نفس النمط التصاعدي.


 هذه المبادئ تؤسس لدولة قانون حقيقية، وتمنع تسييس المؤسسات، وتضمن استقلالية القضاء والرقابة.


 التنمية الجهوية والمسؤولية المحلية


كل ولاية جهوية مسؤولة عن تنميتها، عبر مجالسها وقراها وبلدياتها ومقاطعاتها. وتخضع هذه المجالس لتقييم دوري، وتُحدد مدة عملها بثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، مما يمنع الاحتكار ويعزز التجديد الديمقراطي.


 هذا يعزز التمكين المحلي، ويحول المجتمعات من متلقية إلى فاعلة في التنمية.


 المقارنة مع النماذج العالمية


يتقاطع هذا النموذج مع تجارب دولية مثل:


- الهند: عبر نظام "Panchayati Raj" الذي يمنح القرى سلطة حقيقية.

- سويسرا: في الديمقراطية المباشرة والرقابة الشعبية.

- السنغال وجيبوتي: في اللامركزية الجهوية.


لكن المشروع المقترح يتفوق عليها في منهجيته التصاعدية الشاملة، وربطه بين التخطيط والموازنة والرقابة بشكل متكامل، مما يجعله نموذجًا فريدًا في العالم العربي والإفريقي.


  توصيات للتطبيق 


1. صياغة دستور تأسيسي لهذا النموذج، يحدد صلاحيات كل مجلس وآليات الرقابة.

2. إعداد دليل تشغيلي للمجالس، يوضح كيفية إعداد الخطط والموازنات.

3. إنشاء معهد وطني للحوكمة اللامركزية، لتدريب المسؤولين المحليين.

4. إجراء تجارب محلية تجريبية، لتقييم فعالية النموذج قبل تعميمه.

5. إدماج هذا النموذج في المناهج الأكاديمية، كإطار جديد للحوكمة التشاركية.


-


 لائحة المراجع


1. Rondinelli, D. A. (1981). Government decentralization in comparative perspective: theory and practice in developing countries. International Review of Administrative Sciences.

2. Manor, J. (1999). The Political Economy of Democratic Decentralization. World Bank.

3. Smoke, P. (2003). Decentralisation in Africa: goals, dimensions, myths and challenges. Public Administration and Development.

4. Agrawal, A., & Ribot, J. (1999). Accountability in decentralization: A framework with South Asian and West African cases. Journal of Developing Areas.

5. Shah, A. (2006). Local governance in developing countries. World Bank Institute.

6. Heller, P. (2001). Moving the state: The politics of democratic decentralization in Kerala, South Africa, and Porto Alegre. Politics & Society.

7. UNDP (2004). Decentralized Governance for Development: A Combined Practice Note on Decentralization, Local Governance and Urban/Rural Development.

8. OECD (2019). Making Decentralisation Work: A Handbook for Policy-Makers.

9. Constitution of India – Part IX: The Panchayats.

10. Swiss Federal Constitution – Articles on Cantonal Autonomy and Direct Democracy.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق