الثلاثاء، 26 أغسطس 2025

الدولة بين الولاء العام والولاءات الضيقة


الدولة بين الولاء العام والولاءات الضيقة

الدولة في أي مكان في العالم ليست مجرد مبانٍ أو قوانين مكتوبة على الورق، بل هي بيت كبير يجمع كل مواطنيه، ويخدمهم جميعاً بلا تمييز. هدفها أن تحمي الناس، توفر لهم الأمن، العدالة، والخدمات، وأن تعطي كل ذي حق حقه. حين تكون الدولة قوية، يشعر المواطن أنه متساوٍ مع غيره أمام القانون، وأن حقوقه محفوظة بغض النظر عن قبيلته أو لونه أو أصله.

لكن الواقع يقول إن هناك كيانات أخرى داخل المجتمع تؤثر في ولاء الناس. بعضها يساعد الدولة، وبعضها الآخر يضعفها ويهدد مستقبلها.

المجتمع المدني: شريك في البناء

الجمعيات والمنظمات المدنية وُجدت لتساعد في سد الثغرات، فهي تعمل في مجالات مثل التعليم، الصحة، والبيئة. صحيح أنها تتحرك في مساحة ضيقة، لكن دورها يكمل دور الدولة، ويزرع في الناس قيم التعاون والمواطنة. هذا النوع من الكيانات ليس منافساً للدولة، بل سنداً لها.

القبيلة: حين يتحول التضامن إلى ولاء مضر

القبيلة في أصلها رابطة اجتماعية مهمة، تحمل معاني التضامن والتكافل. لكن الخطر يبدأ عندما يصبح الولاء للقبيلة أهم من الولاء للدولة. عندها ينكسر ميزان العدالة، ويصبح الحق مرتبطاً بالانتماء لا بالقانون.

والمشكلة الأكبر أن كثيراً من المسؤولين في أجهزة الدولة أنفسهم ما زالوا أسرى لهذه الولاءات الضيقة، فيوظفون المناصب لخدمة قبائلهم أو مجموعاتهم، بدلاً من خدمة الوطن ككل. وهنا يترسخ الظلم وتضعف ثقة المواطن في الدولة، لأنه يرى أن الانتماء القبلي صار أقوى من الانتماء الوطني.

الحركات العنصرية والتعصب القبلي: خط رفيع يقود للخراب

التعصب القبلي يشبه الحركات العنصرية إلى حد كبير، فكلاهما يقوم على إقصاء الآخرين وتفكيك المجتمع. إذا سمحنا لهذا الفكر أن ينمو، فإنه لا يضر جماعة بعينها فقط، بل يهدم الدولة من أساسها:

تنهار العدالة.

يتفشى الفساد والمحسوبية.

يضعف الأمن وتتعطل التنمية.

الفرق بين الكيانات

الدولة: المظلة الكبرى، تساوي بين الجميع وتضمن الحقوق وفق القانون.

المجتمع المدني: سند مكمل، يساعد على تنمية المجتمع في مجالات محدودة.

القبيلة: رابطة اجتماعية طبيعية، لكنها تتحول إلى خطر إذا نافست الدولة على الولاء.

الحركات العنصرية: خطر مباشر يزرع الكراهية ويقسم المجتمع ويهدد بقاء الدولة.

المستقبل بيد الولاء للدولة

المستقبل لن يُبنى إلا إذا ارتفع الولاء للدولة فوق كل الولاءات الأخرى. الدولة العادلة القوية وحدها قادرة على حماية المجتمع وضمان مصالح الجميع. أما إذا استمر الولاء للقبيلة أو العرق فوق الولاء للوطن، فإن الدولة ستضعف شيئاً فشيئاً، وقد تنهار من الداخل.

الخطر الحقيقي أن بعض من يسيرون أجهزة الدولة اليوم يرسخون هذه الولاءات الضيقة بأفعالهم وقراراتهم، فيضعفون الولاء للدولة نفسها، وكأنهم يساهمون في هدم البيت الذي يجلسون تحت سقفه.

الخلاصة

القبيلة رابطة طبيعية، والمجتمع المدني شريك بناء، لكن الدولة هي الإطار الجامع. وإذا أردنا لمستقبلنا أن يكون آمناً وقوياً، فلا بد أن يكون الولاء لها أولاً وأخيراً، وأن يُحاكم كل مسؤول أو مواطن على أساس القانون، لا على أساس القبيلة أو العرق.

الب احمد ميني





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق