الخميس، 25 سبتمبر 2025

الإنسان في القرآن: تكريم إلهي شامل لا يُضاهى

 


الإنسان في القرآن: تكريم إلهي شامل لا يُضاهى

 مقدمة:

في زمنٍ تتعدد فيه الخطابات حول حقوق الإنسان، وتتنافس فيه النظم الفكرية على تعريف الكرامة، يظل القرآن الكريم سابقًا ومتفردًا في تقديم رؤية شاملة للإنسان، لا بوصفه كائنًا بيولوجيًا فحسب، بل كيانًا مكرّمًا في خلقه، حرًا في اختياره، مسؤولًا في وجوده، متساويًا في قيمته، ومستخلفًا في الأرض.  

هذا المقال هو خطاب عالمي موجه إلى الضمير الإنساني، يستعرض كيف كرّم الله الإنسان في القرآن الكريم، عبر منظومة متكاملة من الآيات التي ترسم ملامح إنسانية لا تُضاهى.

                                                                  أولًا: التكريم العام لبني آدم

القرآن يعلن بوضوح تكريم الإنسان، دون تمييز بين عرق أو جنس أو دين، بل يشمل كل بني آدم:


> ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾  

[الإسراء: 70]

هذا التكريم يشمل التنقل، والرزق، والتفضيل، ويؤسس لحق الإنسان في الحياة الكريمة.

 

ثانيًا: حسن الخلق والتكوين

الإنسان ليس صدفةً بيولوجية، بل خُلق في أحسن صورة، وسُوّي ونُفخ فيه من روح الله:

 ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾  

[التين: 4]

 ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾  

[السجدة: 7]

 ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾  

[المؤمنون: 12]


 ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾  

[السجدة: 9]

 ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾  

[ص: 72]

النفخة الإلهية هي جوهر الكرامة، وهي ما يجعل الإنسان أهلًا للسجود من الملائكة.


ثالثًا: سجود الملائكة لآدم

تكريم الإنسان بلغ حدًّا أن أمر الله الملائكة بالسجود لآدم

 ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾  

[البقرة: 34]

هذا السجود ليس عبادة، بل إعلان إلهي لعظمة الإنسان في خلقه ومهمته.


 رابعًا: الاستخلاف في الأرض

الإنسان ليس مجرد ساكنٍ في الأرض، بل خليفةٌ فيها، مسؤولٌ عن إعمارها:

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾  

[البقرة: 30]

 ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾  

[هود: 61]

الاستخلاف يمنح الإنسان مسؤولية حضارية وأخلاقية، لا مجرد سلطة.


خامسًا: المساواة والتعارف بين البشر

القرآن يؤسس لمبدأ المساواة، ويجعل التنوع وسيلة للتعارف لا للتفاضل:

 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾  

[الحجرات: 13]

الكرامة هنا لا تُقاس بالعرق أو المال، بل بالتقوى، أي بالعدل والرحمة.


سادسًا: تسخير الكون للإنسان

الكون كله مسخّر للإنسان، ليكون مسؤولًا عنه، لا مستغلًا له:

﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾  

[لقمان: 20]

﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾  

[الجاثية: 13]

هذا التسخير هو تكريمٌ عمليٌّ، يضع الإنسان في قلب الكون لا على هامشه.

 

سابعًا: العقل والحرية والاختيار

الإنسان في القرآن كائنٌ حرٌّ، عاقلٌ، مسؤولٌ عن قراره:

 ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾  

[الإنسان: 3]

 ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾  

[البلد: 10]

الحرية هنا ليست ترفًا، بل جوهر الكرامة، وهي ما يجعل الإنسان مسؤولًا عن مصيره.


 ثامنًا: حمل الأمانة

الإنسان هو الكائن الوحيد الذي قبل حمل الأمانة، وهي مسؤولية عظيمة:

 ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾  

[الأحزاب: 72]

هذا الحمل هو تكريمٌ واختبارٌ في آنٍ واحد، وهو ما يمنح الإنسان مكانته الأخلاقية.


تاسعًا: العدل وعدم التمييز

القرآن يربط الكرامة بالعدل، ويمنع الظلم حتى مع الأعداء:

 ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾  

[المائدة: 8]


العدالة هنا ليست خيارًا سياسيًا، بل أمرٌ إلهيّ

 خاتمة: التكريم الإلهي للإنسان في ميزان القرآن

في ضوء هذه الآيات، يتضح أن كرامة الإنسان في القرآن ليست مجرد امتياز، بل هي منظومة متكاملة تشمل:


الخاتمة : التكريم الإلهي للإنسان في ميزان القرءان

في ضوء هذه الآيات يتضح أن كرامة الإنسان  في القرءان ليست مجرد امتياز بل هي منظومة متكاملة تشمل : 


- الخلق في أحسن صورة  

- النفخة الإلهية التي تسكن روحه  

- السجود الملائكي تكريمًا له  

- الاستخلاف في الأرض وتحمل مسؤوليتها  

- الحرية في الاختيار والتفكير والمعتقد  

- المساواة بين البشر والتعارف بين الشعوب  

- تسخير الكون لخدمته وتنميته  

- العدل المطلق حتى مع الخصوم  

- حمل الأمانة التي أشفقت منها المخلوقات

> الإنسان في القرآن هو كائن مكرّم، حر، مسؤول، متساوٍ، عاقل، متأمل، متضامن، ومستخلف.  

> تكريمه لا يتوقف عند جسده، بل يشمل روحه، عقله، ضميره، علاقته بالكون، وبالآخر، وبالخالق.


وهكذا، فإن القرآن الكريم يقدم للإنسانية أسمى خطاب تكريم عرفته البشرية، خطابًا لا يُقصي أحدًا، ولا يُشترط فيه سوى التقوى والعدل، ليكون الإنسان بحقّ خليفةً في الأرض، ومكرّمًا في السماء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق